ادعمنا

نظرية صيد الأيَّل في العلاقات الدولية - Stag hunt theory in international relations

تعتبر نظريات الألعاب إحدى الوسائل الحديثة في العلاقات الدولية التي تستخدم لإتخاذ القرارات في الحالات والمواقف التي تتميز بوجود صراع بين الفواعل الدولية، ﻫﺪفها ﻫﻮ ﺗﺮﺷﻴﺪ الإختياﺭ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋل ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﻴﺔ بحيث يسعى كل طرف لتحقيق مصلحته على حساب الآخر،  انتشر استخدام منطق نظرية اللعبة منذ القدم إلا أنه لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليه حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وسيطر هذا المجال على نطاق واسع من الدراسات خلال الحرب الباردة.

هناك العديد من نظريات الالعاب من بينها؛ معضلة السجين، ونظريات المباريات ونظرية صيد الأيل التي تحظى بإهتمام أقل، وتحمل أسماء أخرى كــ «لعبة الضمان» و «لعبة التنسيق» و «معضلة الثقة».

 

مفهوم نظرية صيد الأيَّل في العلاقات الدولية   

 تعود جذور هذه النظرية لجون جاك روسو الكاتب والفيلسوف الذي يعتبر من أهم المفكرين فى عصر التنوير فى أوروبا لوضعه مبادئ العلوم السياسية، حيث أصبح هذا الطرح الذي قدمه كنموذج أولي للعقد الاجتماعي جزء من نظريات الألعاب في حقل العلاقات الدولية، ورد الطرح الأصلي كالتالي:

 قامت مجموعة من الصيادين بتعقب أيل كبير لصيده ووجدوا أنه يتبع مسارًا معينًا، إذا عملوا معًا فسوف يقتلون الأيل وسيأكلون جميعًا جيدًا لكن إذا تم اكتشافهم فسوف يفر الأيل وسيجوعون، الصيادين يختبئون جميعًا على جانب الطريق والمؤكد أن الأيل سيظهر في النهاية، لكنهم لا يعرفون كم من الوقت يتعين عليهم انتظاره أو متى سيظهر، ويمر الوقت ويرى أحد الصيادين أرنبًا يتحرك على طول الطريق، لكن الأرنب هو فريسة قادرة على إطعام شخص واحد فقط ولا يكفي لكل المجموعة. فإذا قفز الصياد لقتل الأرنب سيأكل الصياد ولكن الفخ سيضيع وسيهرب الأيل تاركًا الصيادين الآخرين دون أي طعام.

المعضلة هي أنه إذا انتظر الصياد الذي رأى الأرنب أولا فإنه يخاطر بأن يَقتُل أحد الصيادين الآخَرين هذا الأرنب، فمن هذا المنظور أو من منظور الصياد الفردي، فإن الخطر ذو شقين:

- قد لا يظهر الأيل أبدا.

- قد يُفسد صياد آخر الفخ ويحصل على الأرنب لنفسه.

 روى روسو القصة الاصلية بإيجاز في خطابه عن عدم المساواة حيث قال:  " إذا كان الأمر يتعلق بصيد الغزلان (الأيل)، فقد أدرك جميع  الصيادين ( الفواعل الدولية أو المجتمعية) أنه يجب أن يظلوا مخلصين لمناصبهم أو مواقعهم في هذه العملية، ولكن إذا حدث أن مر أرنب في متناول أحدهم، فلا يسعنا أن نشك في أنه كان سيذهب سعياً وراء ذلك دون تفكير".

في صيد الأيل النتيجة الأساسية متعلقة بثقة الاطراف في بعضهم البعض وفي ما سيختاره أحد اللاعبين انطلاقا من معتقداته، وهذا سيحدد ما سيختاره الآخرين. 

فكل من صيد الأيل وصيد الأرنب يقدمان مكاسب لكن الاختيار الأمثل يكون في اصطياد الأيل، فقط إذا كانت هناك ضمانات أو ثقة مشتركة فإن كل الفواعل سيختارون اصطياد الأيل مع بعضهم البعض، وإلا فمن الأفضل اصطياد الأرنب إذا كان اللاعب الآخر يصطاد الأرنب.

  . الصياد 2
الايل الارنب
. الصياد 1 الايل  5, 5 0, 4
الارنب  4, 0 2, 2

 max willner giwerc, Game Theory and Disarmament, E-international relation.

 

الجدول التالي يعبر عن الفكرة بشكل واضح حيث يفترض الباحث أننا نتحدث عن:  

- عملية صيد مشتركة بين الصياد (1) والصياد (2 ).

- الفرائس المتوفرة للصيد هي الأيل والأرنب، كل فريسة تحقق لنا مكسب مختلف.

وبذلك يكون لدينا 4 احتمالات رئيسية 

- إذا افترضنا أن الصياد (1) اختار الأيل والصياد (2) اختار الأرنب، سيكسب الأول مقدار 4 بينما يخسر الثاني 0.

- إذا افترضنا أن الصياد (1) اختار الأرنب والصياد (2) اختار الأيل، سيكسب الثاني مقدار 4 بينما يخسر الأول 0.

- إذا افترضنا أن الصياد (1) اختار الأرنب والصياد (2) اختار الأرنب، سيكسب اللأول مقدار 2 بينما يخسر الأول 2.

- إذا افترضنا أن الصياد (1) اختار الأيل والصياد (2) اختار الأيل، سيكسب الأول مقدار 5 ويكسب الثاني 5.

والخيار الرابع هو الخيار الأمثل.

 

المخاطرة تكمن في أن اللاعب الذي سيختار اصطياد الأيل، سيجازف بوجود احتمالية عدم التعاون معه في مهمته اذا اختار اللاعبين الآخرين صيد الأرنب، أما اللاعب الذي سيختار اصطياد الأرنب لن يكون لديه أي مخاطرة، لأن مردوده لا يعتمد على اختيار الآخر، ولكن سيكون قد خذل الفريق وتخلى عن المكافأة الأكبر المحتملة لمطاردة الأيل الناجحة، وهنا يتم جذب اللاعبين العقلانيين في اتجاه واحد من خلال اعتبارات المنفعة المتبادلة، وفي الاتجاه الآخر من خلال اعتبارات المخاطر الشخصية.

تترك قصة روسو العديد من الأسئلة مفتوحة، ما هي قيمة الأرنب ونصيب الفرد من الغزلان في عملية صيد ناجحة ؟ ما هو الاحتمال أن الصيد سيكون ناجحا إذا بقي جميع المشاركين مخلصين للمطاردة ؟ هل قد يقرر اثنان من صيادي الغزلان مطاردة الأرنب ؟

 

مقاربات شبيهة لنظرية صيد الأيل:

لم يكن روسو الوحيد الذي طرح هذه الفكرة حيث تحدث ديفيد هيوم أيضًا عن لعبة صيد الأيل في أشهر رسوماته التوضيحية ولها هيكل لعبة Stag Hunt المكونة من شخصين:

رجلان يسحبان مجاديف قارب، يجدفان باتفاق، ولكن لم يعطيا وعودًا لبعضهما البعض... السيناريو المتوقع هو كلا الرجلين إما أن يجدفو أو لا يجدفو، لكن إذا جدف كلاهما، فإنهما يحصلان على النتيجة الأفضل لكل منهما، تمامًا كما في مثال روسو، عندما يصطاد كلاهما الأيل، ولكن إذا قرر احدهم عدم التجديف لا فرق إذا كان الآخر يفعل ذلك أم لا، فهم لن يصلوا إلى أي مكان وهذا السيناريو الأسوأ. النتيجة بالنسبة لك هي إذا كنت تجدف والآخر لا يفعل ذلك، فأنت تفقد جهدك من أجل لا شيء، تختلف  نظرية صيد الأيل   Stag Hunt في أن أسوأ نتيجة هي إذا كنت تصطاد الأيل بنفسك بينما الآخر مشغول باصطياد الارنب، فستفشل عملية الصيد. 

 

لعبة صيد الأيل في العلاقات الدولية:

في العلاقات الدولية البلدان هي المشاركة في مطاردة الأيل، ويمكننا الانطلاق من أن كل بلد يعمل بأنانية في النظام الدولي، أو أن كل دولة تهدف للتعاون لتعظيم مكاسب مشتركة، هذا يرتبط بتصور وادراك صانع القرار،  يمكننا اعادة بلورة هذه اللعبة في شكل أوضح، في الصراع العربي الإسرائيلي والذي انطلق مع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في أيار/مايو 1948، حيث يعتقد بعض الباحثين أن بداية الأزمة كانت تعاون بين مختلف الدول العربية من الشرق الاوسط إلى شمال افريقيا لتعظيم المكسب المشترك وهو القضاء على تواجد هذا الكيان وتحرير فلسطين وحماية المنطقة ككل حيث استمرت الأطراف العربية في الصدام مع إسرائيل وكان هناك اتفاق مشترك على أن اسرائيل هي العدو الأول، (الأيل) الذي يجب القبض عليه، ولكن نشأت المعضلة عندما انتقل الصراع من عربي اسرائيلي إلى فلسطيني اسرائيلي فقط، حيث تراجعت بعض الدول عن الهدف المحوري وهو التغلب على التغلغل الاسرائيلي في المنطقة عندما قفزت الأرانب وهي الاغراءات التي قدمها الكيان الاسرائيلي، لتغري أعضاء الفرقة بالإنسحاب لصالح فريسة أصغر، حيث اعتبرت بعض الدول العربية أنَّ تقاربها مع إسرائيل سيحقق لها مصالح سياسية واقتصادية وأمنية.

تختلف نظرية صيد الأيل Stag Hunt عن معضلة السجين في أن عدم التعاون لا يهيمن: فهو ليس دائمًا الخيار الأكثر فائدة، لأن أفضل رد على خطوة تعاون اللاعب الآخر هو الرد بالمثل. ومع ذلك، إذا لم يتعاون اللاعب الآخر، فإن أفضل استجابة هي الانشقاق ولذلك، فإن التعاون لا يكون قابلا للتطبيق إلا عندما يكون منسقا، يوضح هذا السيناريو تحديات تحقيق التعاون.

والنقطة الأساسية أنه إذا حاول فرد واحد الاعتداء على الآخرين من خلال العنف، فمن المرجح أن يتم هزيمتهم. ولكن إذا تعاون المستغلون المحتملون، فيمكنهم إخضاع الآخرين وربما العيش على الفائض الذي يمكنهم استخراجه.

 

 

 

المصادر والمراجع:

علي العودة، العلاقات الدولية دراسة مفاهيمية، بغداد،2010.

Brian Skyrms, The Stag Hunt, Pacific Division of the American Philosophical Association, March 200.

max willner giwerc, Game Theory and Disarmament: Thinking Beyond the Table, E-international relation, Dec 18 2018. 

Dan vekhter, Janet Chen,Game theory, Sophomore College program of Stanford University. 

Aleydis Nissen, Stag Hunt: Anti-Corruption Disclosures Concerning Natural Resources, CJIL Online Vol. 1 No. 1

Noah Zerbe, The Stag Hunt, 6 août 2020, Accessed   17 Feb 2023.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia